والآن يا بني قد أتاك اليقين فلا تكن من الغافلين بل كن من الذين ان ابشروا ازدادوا خوفا ورغبتا فيما عنده كأنهم اخبروا بالعذاب الدائم الذى لا ينفك عنهم ابداً وهذا هو صراط حبيبك الذى أنت مشتاق إليه وهو في غاية الشوق إليك فاجتهد في الوصول إليه مادمت عزيزاًَ وإذا وصلت تزداد عزاً ورفعة وهذا كله من فضل الله عليك ورحمته وألا فانت عبد والعبد دائما في خدمة سيده فان انعم عليه شيء فرح به واستبشره بما أتاه من عند سيده وازداد في العمل لأنه طامع في شيء آخر أحسن من ذلك وهكذا في جميع أحواله الي ما لانهاية وإذا سيخط عليه وضربه كذلك يزيد في الخدمة حتي يرضي عليه سيده وهكذا في جميع أحواله وهذا كله في حق عبد الرقبة لأنه اذا اسآء إليه سيده وتعدا ما أمر الله به فليطلب العبد البيع وينفك منه وأما عبد العبودية فلا بيع ولا انفكاك فليرض باى حالة كانت سواء رضي عليه او سخط عليه لأنه ما من نعمة انعم الله بها علي العبد إلا وعنده سبحانه وتعالي اكبر منها وهكذا الي ما لانهاية فالعبد الحقيقي دائما هو طالب وعطشان لأنه كل نعمة تأتي إليه أخلا والتي من قبلها الي مالا نهاية وأما الحالة الأخرى فكذلك مامن عذاب نزل بالعبد إلا وعند الله اكبر منه وهذه الحالة يتلذذون بها أهل الله أكثر من الأولي لأنهم يزدادون بها رفعة بل يفتخرون بها علي بعضهم لأنها تنفر منها النفوس وهم ما عندهم جهاد إلا في أنفسهم امتثالاً لقوله صلي الله عليه وسلم رجعتم من الجهاد الأصغر الي الجهاد الأكبر قيل وما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال جهاد النفس فالأصل يابني جاهد نفسك ما أمكنك وكن عبدا لله شاكرا لأنعمه عليك وعلي الناس لا تحصي ولا تعد والناس عن هذا غافلون وفيما لا يغيبهم مجد ليت شعري إنهم تدبروا في حالهم ونظروا الي ما يؤل إليه أمرهم واتبعوا ربهم ونبيهم بقولهم وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون يا بني كن علي مما فيه الناس واعبد ربك حتي يأتيك اليقين وذر الناس في غفلتهم يعمهون فما بينك وبين الساعة الا كما بين ارتداد الطرف علي العين فكن مصرا ومنهمكاً في خدمة ربك وعبادته فانه ما خلقك سبحانه وتعالي إلا لعبادته والقيام بحقه ليرضي عليك ويبعثك مقام محموداً ويرضي عليك رضي لا سخط بعده ويمتعك بالنظر في وجهه الكريم وتكن من أهل مملكته وجلسائه ومن المحبوبين عنده وعند أوليائه الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون وهم من الفزع الأكبر آمنون فطوبي لهم ولمن كان علي قدمهم والويل كل الويل لمن حاد عن طريقهم واعرض عنها ولم يتبعها بعد أن هودي إليها فالسعيد من وعظ بغيره والشقي من اعرض عما أمر به واتبع هواه ولم يراقب مولاه في جميع حركاته وسكناته ويتفكر الي ما يرجع إليه أمر فيا ليت شعري كيف يلقي مولاه وهو يعلم انه لا منجا منه ولا ملجأ إلا إليه فما العذر هناك وما الحيل وأين الأحباء والإخلاء الذين كانوا يلهونه عن ربه هلهم مغنون عنه من العذاب أم هم يفيضون عليه من الأجر والثواب أم هم شافعون له عند الملك الوهاب كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وإنهم من عذاب ربهم مشفقون والناس عن هذا غافلون ويقولون إن هذا إلا أساطير الأولين ولا تقل يابني أن هذا في حق الكافرين كلا بل في حق الناس كلهم بل عصرنا هذا أحق وأجدر بهذا العذاب بأنهم يزعمون أنهم علي الحق وإنهم متبعون لسنة نبيهم ومن خالفهم ليس علي الحق بل يكفرون من خرج من قولهم وفعلهم وان قدروا عليه يقتلونه ويحرضونه ويفعلون فيه ما تأمرهم به أنفسهم بل هم أولا بالقتل والتقريع بهم الي الله عز وجل لأنهم أفعالهم أقبح من المنافقين وانظر الي قولهم من خرج واحدا من هذه الأئمة فهو ضال مضل وانه ليس علي شيء وهم مقرون علي ان هو ما قال احد من الأئمة اتبعوني واتركوا سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم والآن اذا أتاهم احد فقال لهم قال الله قال رسول الله يقولون له بل قال فلا وفلان ويردون كلام الله ورسوله والله يا بني إن هذا هو الكفر بعينه بل النفاق ونحن فلا نقل إلا كما قال الله عز وجل ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للين آمنوا وقد أتي الفرج إن شاء الله وما أطلت معك الكلام إلا لأنبهك بجميع الأمور وتكون علي بصيرة مما سوى الله تعالي وتشتغل بمولاك ويكون همك في جميع أحوالك بأنه هو المعطي هو المانع هو الضار هو المز هو المذل هو السميع هو البصير هو المحيط بكل شيء علما وإذا كنت تعلم من هذه أو صافه فلا تغفل عن عبادته طرفة عين ولا تلتفت الي غيره بوجه من الوجوه لا ظاهراً ولا باطناً وأنت اذا كنت ذا عقل سديد فانظر هذا الوارد وتمكن فيه واجعله نصب عينك فانه جامع للخير كله وقامع للشر كله والسعيد من وعظ بغيره ثم قلت له يا سيدي هذا أمر عظيم فان لم تكن معينا لي وألا فلا أقدر عليه فقال لي رضي الله عنه كان معك من هو أقوى مني ومنك ومن كل احد وهو الله جل جلاله وعزة الله وجلاله انه بشرني في حقك ببشارة قبل أن تخلق لو ذكرت لك منها واحدة لهلكت من حينك أنت يا جرس في صدد الجد لا في صدد اللعب وقد اعتني بك ربك اعتناء كثيرا وأنت عن هذا غافل فافهم فقم واجتهد وتحزم حزام الجد بالحمد والشكر لله علي ما انعم عليك به ومنحك بمزايا لا تحصي ولا تعد وعزة الله وجلاله لو جاهدت نفسك كل الجهاد وأفنيت ذاتك وقطعت جسدك جزء مثل الذرة لم تقم بحق نعمة واحدة من النعم التي انعم الله عليك بها نعم الله علي الناس كثيرة كيف بالذي صه بخصائص لا تعد ثم قلت له يا سيدي ادع لي بدعوة حتي أقوم بالذي أوصيتني به فقال لي رضي الله عنه الذي ادع لك به فهو قد حصل لك وإنما أقول لك الله يتولاك ظاهراً وباطناً ويكون هو أنت وأنت هو حتي يقوم هو بحق نفسه بنفسه وسلم لي علي ولدى النهري وزد في محبته وتعظيمه والامتثال لأمره فان أمره قد قرب قلت له ما هذا الأمر يا سيدي لا يكون اجله قد قرب فقال لي رضي الله عنه والذي بعث محمداً صلي الله عليه وسلم بالحق إن الأمر الذي وعدنا به جده صلي الله عليه وسلم من أين أتتك هذه المزاي التي ذكرت لك إلا بسببه وماهو حريص علي صحبتك وصحبة أمثالك إلا لأجل هذا الأمر وألا فالاشتغال بالرب جل جلاله أولي من كل احد وها نحن نشتغل بالناس ونتعب معهم غاية التعب إلا لآجل هذا الأمر لأنه قد قرب جداً والاسابقاً فلم نجالس احداً ولم ندع أحداً وأما الآن في غاية الاجتهاد حتي أننا لم نلتفت لأنفسنا والناس عن هذا غافلون وأنت قد أتاك اليقين بل حق اليقين والله الذي لا إله إلا هو ما قلت لك إلا الحق فكن علي بصيرة وادع الناس الي الله ولا تطالب اجراً علي عملك كما فعلوا معك الناس فإنهم أنقذوك من الهلاك الي النجاة ولم يطلب منك اجراً فأنت افعل كما فعلوا بك إن أردت إن تتبعك الناس وألا فلا تزدهم إلا نفورا وكل من نفرته من هذا الخير العظيم فعليك أثمه وإثم من عمل بإثمه الي يوم القيامة قلت له ياسيدى اذاً فلا ادع أحداً قال رضي الله عنه ادع رغماً عن انفك ولكن اجعل أمرك كله لله تتبعك الناس أما ترضي بأجر من تبعك الي يوم القيامة قلت بلي قال إذا فاجتهد مع الناس أقوى من اجتهادك في نفسك وأنت اليوم لدينا من المقربين الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون فلما قال رضي الله عنه اليوم لدينا الخ فنظرت الي كل جهة فلم أجده فتيقنت بأنه ما يكلمني إلا بلسان الحق جل جلاله بينما إذا كذلك وإذا بالخطاب من الحق جل وعلا يقول عبدي خذ ما آتيناك بقوة وكن من الشاكرين ثم إذا بخطاب من الحق سبحانه وتعالي يقول وعزتي وجلالي انك لو عبدتني من أول الدنيا الي أخرها بلسان جميع ما خلقت لم تقم بنعمة اجتماعك بعبدي النهر وعبدي الشفا كيف بحق حبيبي محمد وحق الملك المعبود الذي لا يعجزه شيء فاسمع وأطع وكن علي حذر من غوائل النفوس ثم قال سبحانه وتعالي ولاسم عليكم مني وتحياتي ورضواني وزادكم منمه إليكم وهذا ما ورد علينا والحمد لله رب العالمين ثم في يوم في ذات الأيام صار يقرآن القرآن في مصحفين ثم صارا مصحفين الناس يقرؤن فيهما باجتهاد قوي ثم صار بحراً كبيراً مطبقاً علي الدنيا كلها وصار هما وسطه واقفين ثم صار سفينتين عظيمتين وصارا يركبان فيهما من أحبا ثم صارا يطوفان شرقاً وغرباً ثم صارا يطوفان كهيئتهما المعروفة بالكبعة وجميع الأخوان معهما وأناس كثيرون فلما أتما الطواف صعدا علي الكعبة وهزاها هزة عظيمة فارتعدت حتي كادت ان تسقط فقالا يا عجبا كيف تسبنا الناس وقد أعطانا الله هذه القوة ثم وضعا أيديهما علي بابها فانفتح مدخلا فدخل معهما خلق لا تحصي وصارا يدعيان زمناً طويلاً لكل جهة ثم عم الخلق النور في وسطها فبهتوا ولم يدر أحد ما يقول غير أنا تبنا عما كنا نقوله في هذين الرجلين ولما وصلا الي قوله تعالي إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب فقال الأستاذ السيد احمد أن كل ولي يتبرأ من أتباعه يوم القيامة حتي يؤذن له في اجتماعهم عليه إلا أنا فاني لا أتبرأ من أتباعي ولو كانوا كاذبين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فإن كانت أتباع الأولياء رضي الله عنهم تعد بعشرات ومأت فأتباعي لا تحصي بدفاتر ولا مجلدات وكيف وقد قال المواجه في حضرة ربه بالخطاب الأزلي سيد الأنبياء والمرسلين الذين جاؤا بالصدق وصدقوا به كيف تخيب امة أنا في أولها والمهدي في آخرها فمن شك في أني أنا المهدي فقد كفر ومن كذب في مهداوية ولدى النهر فقد فجر وانشد رضي الله عنه وأرضاه بقوله :-
ألا قل لمن في حزبنا سعدت سعادة طول الأبد
وظهرت من منكرات العيوب وصرت فريداً عديما الضد
وسجلت في دفتر الشهداء وفي الحشر كنت جوار الصمد
ونلت الذي كنت تطلبه وما تشتهيه فسئله تجد
فأن الوجود بأجمعه غدا طوع امرى بأذن الأحد
ولم يخرج الآن من ملكنا رضيع ولا والد ولا ولد
بفضل الإله ارتقينا العلا وفي ذروة العز صرنا نمد
من الكوثر الاحمدى الذي سقيناه طرا بكأس ويد
من المصطفي الهاشمي الشفيع عليه صلاة بغير عدد
ونشفع في الخلق عند الالاه بغير حساب ولا فيه عد
وقولوا لمن كان نهر اسمه أيا نهر نا أنت خير ولد
ورثت الخلافة منا جميعاً وحزت معارفنا والمدد
فدونك فانفع بها من تحب ولازم علي ودنا واستزد
فانا نريدك ماقدطلبت وبالنصر نشدد منك العضد
فراع الكتاب والجرس القدم واجزابهم بهم الحوض رد
وزدهم وزدهم وزدهم وزد من السقي عن حوضنا لا تحد
فنسئل ربي لك العافية وحسن الختام وحفظ الجسد
من السوء والضر اجمعه ومن شر كل البلا والنكد
بما تؤمر اصدع وكن زائداً لهدى العباد رزقت الرشد
وازكي صلاة علي المصطفي وأل وصحب بطول الأبد
وانشد أيضاً رضي الله عنه وأرضاه :-
لقد صار رب الخلق سمعي وناظري وقلبي ورجلي مع يدي ولساني
وبشرني ان لا يعذب مسلما رآني حقا أو رأ من رأني
واني كبير الأولياء بأسرهم جمعت من العرفان كل بيان
وانتم كمثل السمع مني قراكم بأوسط قلبي من آذاكم آذاني
فكيف تخافون الوجود بأسره يعوقكم عني فلا والمثاني
فلا تجزعوا من كتب عشرة أحرف مخرمشة مكتوبة ببناني
فوالله لا تخشون منه وغيره كما قد سمعتم ذلك من لساني
وسألت استأذنا السيد محمد المهدي رضي الله عنه عن عشرة أحرف ماهي قال إنما هي فرض مثل لمن كان يعترض علي الأستاذ السيد احمد بن إدريس والأستاذ السيد ابن السنوسي وكان رضي الله عنه قال لهم فلا تعتبروا هذه الانكارات والاعتراضات ولايهمنكم أمرها من عدم مبالاته بتلك الانكارات كلها نزلها منزلة عشرة أحرف فقال ولا تجزعوا من كتب عشر أحرف .
قال الشفاء بصدق في مقالته لمن تحير من ظن ومن جرس
كونوا علي الجمع اذفي الافتراق عني ولا تخافوا من الحجاب والحرس
فالله بجميع نهير الكتب والجرس من المعائب والأوصاف والدنس
لا تعتريهم دوام الدهر نائبة وقد وقوا فتنة الوسواس والخنس
دامت لديهم نجوم السعد طالعة ونجم مبغضهم في الخنس والكنس